للأسف
لا يمكن التعبير عمَّا يحدث في مصر الآن باللغة العربية الفصحى في معظم
الأحوال. و يصبح اللجوء الي لغة الشارع (مثل
"فنجرة بُؤ") هو الطريقة الوحيدة للتعبير الموجز عن احداث و فكر لا
وجود لها إلا في ذلك المجتمع الغريب و الذي يزداد غرابة و سفهاً ساعة بعد
ساعة. حضارة المبالغات اللغوية ليست جديدة
علي مصر و لا علي المجتمعات العربية عموما حيث تصبح كل خناقة "أم المعارك"
و كل حاصلا علي ليسانس كلية حقوق "فقيه
دستوري" و كل من ذهب إلى مؤتمر خارج البلد "خبير دولي".
نشأت
في مصر و أنا اسمع أن جنود مصر "خير أجناد الأرض" (إعتمادا علي حديث شديد الضعف بُنسب للرسول عليه
السلام) في حين أن مجمل إنتصراتهم خلال مئة عام لا تتعدَّى 4 أيام بين 6-10 أكتوبر
عام 1973. و علي نفس النمط يمكنك الحكم
على اقوال مثل: "دكاترة مصر أشطر دكاترة في العالم" و "القضاء
المصرى احسن قضاء في العالم"
أمَا "الطيار المصري فهو اللي مفيش حد زيُّه في الهبوط
بالطيارة – كأنك نازل علي مخدة ريش نعام" ، إلخ إلخ إلخ.
أما
اذا تسائلت لماذا إذا تعيش مصر في بؤس ليس له مثيل و تفشل فشلا ذريعا في كل ما يُشكِّل
مقوِّم من مُقومات الحضارة فإن الرد دائما جاهز:
"الموضوع كله في الإمكانيات" و "أصل السِسْتم مِش
مِساعِد" – متناسين داتما أن التخطيط في ضوء الإمكانيات و ان تصميم
"السِسْتم" كله في يد كل هؤلاء العظماء الذبن لا يوصفون أبدا إلا
يإستعمال صيغة "أفعَل للتفضيل" عند ذكرهم يالمقارنة بنظرائهم في
العالم.
لماذا
أذكر هذا اليوم؟ لِأنَّني "فاض
بِيَّا و ملِّيت" (كما تَغَنَّت أُم كلثوم) من سماع الجمل التالية و كلها
" فَـــنْجَرة بُؤ" تقال على سبيل
التهديد الخالي دائما من كل
مضمون:
- "الشيء الفلاني خط أحمر": فجأة البلد امتلأت خطوط حمراء نظريا لا يجوز تجاوزها إذا حسبنا سذاجةّ أن التهديد وراءه أي قوة جدية. و المضحك أن الشيء الأحمر الوحيد الذي يجب عدم تجاوزه حقيقة هو إشارات المرور الحمراء و اللتي لا أظن أن شخصا واحدا في مصر توقف عندها علي مدى اعوام و مع ذلك لا اظن ان شخصا واحدا دفع مخالفة مرور بسببها.
- "فلان الفلاني لحمُه مرّْ" حتي يكاد يظن السامع ان كل الناس في مصر "لحمهم مرّْ". و هذا التعبير يقال عندما يجرؤ كائنا من كان أن ينتقد بعض من ترضي عنهم سواء كانوا سياسيين او علماء دينيين و اعضاء في سلك القضاء الى آخره من الفئات التي يعتبر إنتقادها كما لو كان تجاوزا على الذات الإلهية.
- أما ثالثة الأثافى فهىَ "انا تحت إيدي مستندات هتقلب الدنيا و هتوديهم في داهية". منذ يناير 2011 و أنا اسمع مثل هذا الإدعاء من أعضاء الحزب الحاكم و أعضاء المعارضة و الفلول و كثير من الأشكال التي تجد من يستمع إليها و ينشر إدعاءاتها و هي "لا تُساوِي نِكْلة". و حتى اليوم لم أري أو أسمع عن مستند واحد نُشِر أو أُستُعمِل أمام القضاء و أدَّى إلى إدانة مجرم أو هارب أو مُختَلِس أو سياسي سابق من أى نوع.
إعتَدْت في الماضي وصف الواقع العربي المعاصر بـ
"Culture of Rhetoric"
: كثير من الكلام و أقل القليل من المضمون على مدي قرن كامل على الأقل.
للأسف
ان الربيع العربي لم ولن يغير هذا الواقع المريض لعدة عقود.
خالد